هذا رأيي فيما يسمى بالرواية التاريخية، أو الرواية ذات العلاقة بالتاريخ – ولا أقول الرواية التاريخية – الرواية ذات العلاقة بالتاريخ هي عمل خيالي وليس معنياً بالحقائق وبالتالي فهي تحرك المكان والأشخاص والزمن بصورة مُتَصَوَّرَة وليس صورة واقعية. وتمتاز بأن اللغة والكتابة تضفي ثراء يكسبه الكاتب للشخصيات. بناء الرواية لا علاقة له بالأحداث التاريخية لكن فيه (ريحة) للأحداث التاريخية! ولذلك فالرواية ذات العلاقة بالتاريخ لا تُحَاكَم تاريخياً بل تُحَاكَمْ أدبياً. ففي كل من الشركسي وأنفاس صليحة أفلح الكاتبان في تقديم رواية لتقرأ كرواية على الرغم من ارتباطها بالتاريخ.

وقد أفلح عمر فضل الله في أن يشتغل على التاريخ ويكتب روايات للتاريخ وحتى رواية الشركسي فيها شيء من عمر فضل الله. فهي رواية على علاقة بالتاريخ رغم كونها رواية ليست واقعية بالطبع وليس بالضرورة أن تكون واقعية فالتاريخ واقعي ومرتبط بالواقع تحديداً ويُحَاكم إذا فارق الواقع لكن الرواية ليست واقعاً فالرواية هي ما يسمى بالواقع المفترض وعمر فضل الله مزج الحقائق التاريخية بالأدب وهو ليس محكوماً بذلك وهو استعمل التاريخ كميدان للحركة فقد حرك شخوصه وأنطقها وأكسبها روائحن فالرواية تكون هكذا. تكسب المكان رائحة وتكسبه صوتاً وتكسبه موسيقى وتكسبه حركة وعمر فضل الله أكسبها كل هذا من خياله وليس من التاريخ ولكنه لعب في داخل ميدان التاريخ، لعباً خاصاً بقدراته على الخيال وبقدراته على إكساب هذه الشخصيات الحركة والنطق وغيرذلك وغير ذلك. ولكن المؤكد هو أن أعماله لا تحاكم تاريخياً ولا تعتمد على التاريخ لكنها تلعب في ميدان التاريخ وفيها حرية كاملة فهو حر أن يقول ما يشاء ويكتب كما يشاء ولا أحد سيقول له صليحة حضرت في ذلك اليوم أو لم تحضر فلا يدخل هذا في مجال النقد أو أن صليحة نفسها موجودة أو لم توجد أصلاً. فهو قد استخدم هذا الميدان فقط ومن الممكن ألا يوجد شخص اسمه صليحة أصلاً. وبالمناسبة سوف أحكي لكم شيئاً طريفاً جداً. أنا حين كنت طالباً مثلت دور عجوبة في المسرح ببخت الرضا. وعجوبة هذه هي صليحة. عجوبا الخربت سوبا. مسرحية خراب سوبا التي كتبها خالد أبوالروس وذلك في الخمسينات، ولذلك فقد استمتعت برواية أنفاس صليحة فالكاتب عمر فضل الله (كَتَّابْ) ! كتاب جداً.. ومستوى الكتابة متميز عنده!
الدكتور موسى الخليفة