جمال السودان …
مابين ملحمة الشريف زين العابدين الهندي وابداعات الدكتور عمر فضل الله الروائية
بقلم :- محمد عبدالقادر
في البدء ارجو ان اترحم علي روح السياسي الماهر السيد الشريف زين العابدين الهندي , وتمنيات الصحة والعافية للعالم الدكتور عمر فضل الله رد الله غربته سالما لارض الوطن .
ما دعاني اكتب في هذا الموضوع , هي عند رحلة عودتي اليومية من العمل الي المنزل اعتاد ان استمتع ببعض روائع الغناء لعلي انسي واستريح قليلا في محطات الوطن عبر اصوات مطربي بلادي . كالعادة ضغطت علي ذر الهاتف لاختيار واستماع ما تحويها مكتبتي الغنائية من الاغاني القيمة التي ظلت مترتبطة بوجدان الشعب السوداني ,غير ان الاختيار هذه المرة وقع علي الاغنية الجميلة ( الملحمة ) او اوبريت السودان , تلك الرائعة التي نظم كلماتها الشريف زين العابدين الهندي واداها لحنا ابو الفن السوداني عبد الكريم الكابلي بصوته الشجي الطروب , وللمفارقة قبل يوم كنت قد اكملت وللمرة السادسة روايات الدكتور عمر فضل الله المعرفية ( ترجمان الملك , التي خصصها الكاتب لشرح كافي عبر تقنية السرد التاريخي في قالب روائي وقصصي تحكي عن ممالك النجاشي وهجرة اصحاب رسول الله اليها ومن ثم قيام دولة علوة .تشريقة المغربي , انفاس صليحة , رؤيا عائشة التي تحكي عن نهاية الدولة الحكم التركي وتداعياتها وقيام دولة المهدية ) تلك الروايات التي لا أكل او امل قراتها ابدا , وكل مرة اكتشف شيئا وسحرا جديدا في تلك الاعمال .
عند الاستماع الي الملحمة يشدك ذلك العزف علي اوتار الحنين ومشاعر قوم وموال امة ولقاء جديد مع التاريخ وسيمفونية الخلود , تاخذك الملحمة وتطوف بك الي شتي بقاع السودان البلد الجميل انسانا وارضا . نفس المشهد والمنظر ونفس الجمال وانت تقرا تلك الروايات العظيمة انفاس صليحة التي تحكي عن مملكة علوة الشامخة وخراب وسقوط سوبا بكل زخرفها. و تقلب صفحات تشريقة المغربي ,التي تحكي سنار التاريخ والرواق السنارية والسلطنة الزرقاء و ذلك المغربي الذي اختار الاسشتراق والهجرة الي بلاد السودان الاوسط ( سوبا) مرورا بالممالك الافريقية داخل منظومة السودان الكبير الجميل ,
تشابه كبير بين ملحمة الهندي وأعمال الدكتور فضل الله , كأن الرجلين التقيا سويا وقررا كتابة التاريخ في قالب ابداعي فاختار احدهما الشعر , والاخر اختار الجانب السردي ( الرواية ) ليقدما بذلك جمالا للمكان فاق الخيال في مشهد مهيب وصور تمشي وتجوب ارض السودان طولا وعرضا .
فالدكتور عمر فضل الله الذي ركز عمله في منطقة وسط السودان (القديم ) من المغرب العربي واقصي غرب افريقا الي سوبا وتخومها وجنوبا للنيل الازرق , واختار تلك المنطقة لتكون مسرحا لاحداث الروايات وفق تقنية سرد عالية الجودة والتحكم لينقل القارئ في سهول تلك الارض حنينا ودفئا , وسردا أشبه بما يقدمه العلامة البروفيسور جعفر ميرغني في برنامجه المعرفي (سلسة أضواء علي الحضارة السوانية ) التي يقدمها عبر اذاعة هنا ام درمان , غير ان الشريف الهندي اختار السودان الحديث بحدوده الحالية ( قبل الانفصال ) ليكون مسرحا لملحمته , ليقدم بذلك مشروعا ادبيا في قالب شعري اشبه ب (السونتا) لوليام شكشبير . SONNET
اذ يقول الهندي :-
مساهر ليلك الطول نجومه هجوع
وغرقان قمره في جوه السحاب مصروع
بصارع فيك ضلام تمن سنينه سبوع
واراقب فجرك الآذن زمانه سطوع
وشايلك سيف نصر لا يطيش ولاهو بزوغ
ورابطك في حشاي من العطش والجوع
واسقيك مني دم ودموع
واوقد لك جحيم وشموع
واقش منك دموع الضيم على خدودك بتتحدر
واقبل فيك جبين مرفوع كراية النصر ……
الي ان يصل الشاعر الي سحر وجمال ورحيق الامكنة في ربوع السودان ويبدو ان الشاعر الهندي قد زار السودان منطقة تلو الاخري ,, اذ يقول :-
فيك الازرق البي عرفه هد القيف
وفيك الابيض الماش منطرح مابقيف
وفيك زهد المفازة الوعدو ماخليف
وفيك الاتبراوي اللي الشواطيء مخيف
وفيك الدندر البهجم هجمة السيف
وفيك الباسلام في الفشقة عامل هيف
وفيك سيتيت منبت من قناهو صريف
وفيك القاش بوري الرعدة
والصاعقة الداودو كيف
**
وفيك بحر الجبل حاقب عري الرجاف
وفيك بحر الغزال والجور وبحر زراف
وفيك سوباط ملولو زي دبيبا خاف
وفيك بحر العرب مليان نعام وزراف
وفيك بحيرة قال (نو) سيده ما الاسلاف
وفيك خور اب حبل شاقي البلد كشاف
وفيك تمت العظيم شايل الكليت والشاف
وفيك خور الدهب ذو الذكرى والاعراف
وعندك مقرناً حرم سواك ما انشاف
**
وعندك الف خور في الوادي والفين رافد
وحسبان الجزائر والجروف ماوارد
والنبرو الحبيب لي عودو سيدو اقالد
والساقية الحنين توريقها باكي وساهد
والبلدات ونجاضات حليلة فايد
وسمسم وام صقور وسهل قبوب ود زايد
وصقيعة ام بليل براقها قايم وقاعد
والمطر البكب اربع شهور ويدارد
وفيك قنبلية كمبو سته الوارد
وام سنات تغازل دوكة ماشه تحادد
اسفاي بقول لي الفشقة بهمك شارد
كونه الفار بقت ترع وجناين وموارد
* نفطة اخري تعبتر منطقة التقاء بين الشريف الهندي والدكتور فضل الله . اذ ان كليهما عرفا وسط السودان وعركا المجمتع عرفا وعادة وتقاليدا وبالتالي التقي الكاتبان عند نقطة السودان الكبير , مع الوضع في الاعتبار ان الهندي استخدم لغة سهلة وبعضها بدوية ( لغة اهل البادية ) وهو النهج نفسه الذي اتبعة الدكتور عمر فضل الله في اعماله مع اضافة لغة وافدي السودان ( المغاربة) .
مثل الحضور الصوفي حضور جميلا في اعمال الكاتبين شعرا ووراية .اذ يقول الشريف الهندي
ومن جدك بكبرفوق جبل سرغام
ودافن ضهره في كرري ومتكنتل ركاب ولجام
وسال في ايده سيف العود
ببعج بيهو كبدة وهام
وقبال دمه ما إرشح مع البارود
اكون شتت عليك اجسام ..