قراءة في رواية ترجمان الملك
للكاتب السوداني د/ عمر فضل الله
تعد الرواية هي النتاج الأدبي الاول للكاتب وهذا قد يذهلك عند قرائتها إذا لم تكن تعلم من هو عمر فضل الله.
يتبنى الكاتب الفائز بجائزتي الطيب صالح، وجائزة كتارا لعام 2018 عن روايتيه أنفاس صليحة وتشريقة المغربي في رواياته نظرية الرواية المعرفية وهو طريق لم يسلكه أحد على حد قوله (أنا أكتب لأقدم المعرفة للناس مخلوطة بالحكي السردي والأسطورة). يتناول الكاتب في هذه الرواية التي تؤرخ حقبة من تاريخ دولة الحبشة وملك دولة علوة المسيحية أصحمة بن الأبجر النجاشي الذي لجأ إليه المسلمون الأوائل هرباً من بطش قريش، فكانت هجرتهم الأولى إلى بلاده. في هذه الرواية التي ما تلبث أن تبدأ في قراءتها حتى تأسرك بهذا الجو المتوغل في القدم، وهذا المزيج الفريد بين الأسطورة والواقع في إطار تاريخي إجتماعي ، حيث تأخذك عربة ذات خيول إلى بلدة سوبا على ضفاف النيل الأزرق. وهناك ستقابل دلمار ترجمان الملك النجاشي وحفيده سيسي بن أبيلو هذا الفتي الذي استحضر الكاتب روحه وعاد به ليروي لنا حياة نعيشها معه بتفاصيلها الكاملة . الملك النجاشي وزوجته ودلمار الترجمان الرجل الحكيم المحب للملك وأمه تانيشا وهذا المزج الذي لا تخلو منه حياة فنتقلب من باطن البيوت بزخرفها وخدمها إلى الشوارع والكنيسة ومحاولة سيطرتها على مقاليد الأمور واستخدام الدين لنيل الحظوة والمال والسلطة، ومحاولة الانقلاب إذا صادف تضارب مصالحهم مع الملك . خيانة الوزراء . وانقلاب الأخ على أخيه واعتلاء كرسي الحكم. وصف النيل وأفراس النهر والتماسيح . سيمونة الساحرة واستخدام السحر الاسود . تجارة الرقيق وما فيها من إذلال وقمع ومصالح. استقبال النجاشي لوفد المسلمين الأوائل الذين كانوا سفراء لدينهم في هذا المكان البعيد عن الجزيرة والتبشير بالدين الجديد في أرض جديدة . وغرس المسلمين العرب لبذرة تواجدهم وارتباطهم مع أهل سوبا وما حدث بينهم وبين النجاشي. يصيبك الخوف في سوق الرقيق من أن يتم اختطافك كما حدث مع أصحمة، أو العبور للبر الغربي لتقابل سيمونة الساحرة وبناتها. لتتأكد أنك عندما تعبر النهر عائداً من عندها لن تكون أبداً كما كنت.
• الشخصيات
رسم الكاتب الشخصيات بحرفية تامة فكأنك تراهم بل وتحاورهم تبكي معهم وتقفز فرحاً معهم . ترتقي معهم إلى قمم الأشجار وتضبط أنفاسك وأنت تسبح معهم وسط أفراس النهر . تسمع همسهم ويتجعد وجهك ألماً لما يصيبهم. أعجبتني جداً شخصية تانيشا أم سيسي بحكمتها وجمالها وأخلاقها في معاملة الغرباء من المسلمات . وكذلك أمانتها في خدمتها للملك وزوجته . وما أعجبني فيها أكثر جرأتها في ردها على سيمونة عندما هددتها وحاولت أن تحط من منزلتها . وكذلك شخصية أرمها أو أصحمة هذا الرجل النبيل المتسامح في حقه الذي ذاق العبودية ورغم ذلك سامح الوزراء ولكن عندما تعدى الأمر شخصه وأرادوا مع الكهنة تدمير بلده وقف فارساً شجاعا وقضى عليهم
• السرد
هو سيد الرواية والمتحكم في دفتها. بدأ بطيئاً في أول خمسين صفحة ثم امتطى صهوة جواد وأخذك معه حتى صرت تبتلع الكلمات دون أن تشبع بل تطلب المزيد
• اللغة
ماتعة سهلة يتخللها بعض الألفاظ التي تعبر عن البيئة آنذاك ويفسرها الكاتب أسفل الصفحات
• الوصف
جاء الوصف على نحو مبهر وذلك في وصف الشخصيات والأماكن والسوق وقصر الملك ومكتب الترجمان وحتى العربات التي كانت تنقل العبيد ، ووصف الجواري والغلمان وكيف كانوا يغطون أنفسهم خجلاً من عريهم. لم يترك الكاتب شيئاً إلا وصفه بطريقة تجعلك كأنك تراه رأي عين . عندما قرأت للكاتب قلت لنفسي أين كنت من مثل هذا الجمال . فهناك الكثير من الكنوز لم نكتشفها بعد
أنصح جداً بقراءة الرواية لكل قارئ نهم مهتم بالتفاصيل يعشق الوصف ويريد أن يسافر في رحلة عبر الزمن إلى الحبشة ليقابل الصحابة ويتعرف على رجل نبيل رغم صغر سنه إلا أنه كان حكيما ذكيا عارفا بالمسيحية الحقة .