• عتبة النّص الأولى:

الغلاف والعنوان:


• لوحة الغلاف أقلّ وضوحاً من سابقتها (ترجمان الملك) شخوص مبهمة متعدّدة الألوان متداخلة، ولعلّ هذا لطبيعة الرسم التشكيلي ولتعلّقه بعالم غير واضح أصلاً، غير أنّها لا تحوى خطأً كاللوحة الواضحة بترجمان الملك؛ إذ أنّ الهيئة التي يبدو بها أحد الأشخاص يكرع من ماء النّيل تدل أنّ الرسام لم يشرب يوماً من نهر أو ترعة مباشرة ولم يرَ من يصنع ذلك!

• العنوان معبّر تماماً عن طبيعة النّص مع غموض مناسب.

• الرواية سياحة عبر المكان والزمان في فضاء بلا حدود حيث تعدّدت الأماكن والأزمنة منذ بدء الخليقة ما قبل آدم ليومنا الحاضر.

• الطيف بلا اسم محدّد تنقّل متوجساً في العوالم والأزمنة مطارداً من جند أبيه الذي لم يره يوماً، مسجوناً من قبل نبيّ الله سليمان –عليه السّلام- مضطهداً من البشر، ناشراً للشر والخير منتقلاً من الغواية للهداية آخر المطاف. والرائحة التي تدلّ عليه غير ثابتة تظهر أحياناً في النصّ وتختفي.

• عالم الأطياف ممزوج بعالم البشر مع التركيز علي الجنّ، ولم أجد كاتباً يكتب عن عالم الجنّ المحض إلا الشيخ “طارق اللبيب” في (أميرة الجنّ المظلومة).

• الرواية إبداع ولكن أقلّ حبكة من “ترجمان الملك” فيها نقاط ضعف بعكس ترجمان الملك ممّا يولّد انطباعاً أنّها متقدمة عليها!

• عالم السحر في الرواية عرض بصورة مبدعة لواقع بشع؛ وعرض الكاتب لخبرتين متباعدتين في الموضوع: الخبرة الأوربيّة حيث يجمع إبليس السحرة ويهينهم ويمهروا بإمضاءاتهم على عهود إذعان مطلق ومواثيق طاعة للشيطان. الخبرة الإقليميّة أنّ الساحر يقوم بعقد عهد سري فردي مع الشيطان ليضرّ النّاس بالسحر مقابل المال، والخبرة الغربيّة تركز على المجون والمتعة الشخصيّة للساحر حتّى وصل بهم اليوم القبول بعبدة الشيطان وطقوسهم الماجنة في الإحتفالات الرسميّة كما حدث في افتتاح نفق “غوتهارت” بسويسرا قبل أيّام.

• والخبرة النقيض التّي أخذ بها الكاتب للمنظور السحري (الخبرة الوهّابيّة) حيث تتوسّع في مفهوم السحر، حيث أورد الطيف (شمهروش) –رضي الله عنه- كتابع من أتباع إبليس؛ وهذا شأن الخبرة الوهّابيّة حيث تدرج كلّ ما أشكل عليها تحت بند السحر).

• هذا المزيج أنتج تصورّاً قويّاً لبشاعة السحر.
(الإمام “الغزالي” كتب في (الإقتصاد في الإعتقاد) عن المثلث المعروف وبيّن أنّ له خواصاً أودعها الله فيه وتكلّم الإمام “الرازي” عن ضرورة التفريق بين السحر وخواص الأشياء. وقال الإمام “الصاوي” المالكي بالأخذ بالطلاسم غير المفهومة إذا وردت عن ثقة كدائرة الإمام الشاذلي. الوهّابية في الحجاز ومناطق داعش تعدم من تجده راسماً المثلث المذكور أو دائرة كدائرة الشاذلي، وفي الحقيقة يعدمونهم لأنّهم اتبعوا أئمتهم! أسفي عليهم، وحكومتنا تصمت صمت القبور!)

• بنى الراوية شخصيّات الفتيات الثلاث بصورة واضحة خاصّة شخصيّة “ماويّة” الأبراميّة وتخلّت عنهنّ وسط الرواية مع تخلّى الطيف عنهنّ مع رفيقتيها في قفر موحش.

• شخصيّة “ماوية” لو استمرّت -بشكل أو بآخر- لأضفت علي النص مزيد بهاء ورونق.

• تخلّى النص عن كلّ الشخصيّات تقريباً التي اجتهد الكاتب في بنائها بناء متماسكاً فتخلّي عن “أشتوت” والفتيات الثلاث فلم تظهر بعد أن اضطرّ الكاتب لبناء شخصيّات جديدة؛ (أوشيك، ورحمة، وغيرهما…). • شحصيّة “أوشيك” جاءت باردة تفتقر للفضول تهتم بإبراز ما عندها من معلومات دون أن تأخذ ما عند الآخر؛ من الذين يتكلمون ولا يسمعون.

• شخصيّة “رحمة” آليّة لا تعرف الخوف كشخصيّة “ماوية” إلا أنّ “ماوية” كانت نافذة لها رؤية و”رحمة” بلا رؤية. لم تتردّد “ماوية” في مواجهة الطيف: (أيّها الشيء إنّك نفس خبيثة تعيش علي الكذب والخداع)! -رغم ضعفها الجسدي وقوته المتناهية- ففرّ من قوّة المواجهة لا يلوي على شيء.

• تصوير الطيف ومشاعره في القمقم السليماني تصوير مبدع يصوّر المشاعر منذ اليوم الأوّل حتّي انكسار القمقم بعد ثلاثة آلاف عام.

• مشهد “العسكر” وردّة فعلهم الحادّة علي إجابة الطيف حين سألوه عن هوّيته تعبّر عن حالة الشرطة بكلّ العالم حيث تكره من تشتم منه رائحة استخفاف بمهامهم (السامية)، كذا مشهد الزنزانة، لكن تقيؤ الطيف غير منطقي وهو الخارج من حبس آلاف السنين بلا طعام!

• يندمج “أوشيك” في شرح معالم الحضارة لـ”أبلسة” في أسلوب الأستاذ مع التلميذ ممّا أضعف الحبكة الروائيّة بالأسلوب الوصفي التحليلي.

• الحكايات والأساطير والخرافات أضافت روحاً أدبيّة أفضل من حكي “أوشيك” : بابل، أوروك، سدوم، عموريّة، آلهة مصر وتشاكسها. 

نص أطياف الكون الآخر جهد مبدع طرق زاوية منسية في رؤية ممتعة للقاريء والناقد وهي إضافة حقيقية للمكتبة العالمية فضلاً عن السودانية والغربية….