الفائز بجائزة الطيب صالح العالمية يرى أن فوزه يعني نجاح مشروعه الروائي المعرفي الذي يقدمه للقراء ويؤكد أنه يسير على الطريق الصحيح.

ميدل ايست أونلاين

hamamsyبقلم: محمد الحمامصي

جمع د. عمر فضل الله بين العلم والبحث العلمي والإبداع، فهو متخصص في تقنية المعلومات وعلوم الحاسوب، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتور في علوم الحاسب الآلي تخصص نظم معلومات من جامعة كاليفورنيا، وتولى إدارة العديد من المشروعات الخاصة بتقنية المعلومات في دولة الإمارات حيث يقيم منذ سنوات طويلة وتولى الإشراف على مشاريع أنظمة البنى التحتية لشبكات المعلومات للدوائر وشبكات المنشئات الحكومية بأبوظبي، كما أسس الكثير من المراكز البحثية والاستراتيجية في السودان، وعلى مستوى الإبداع جمع بين الشعر والسرد والدراسة المعرفية والاسلامية وتحقيق التراث، وتزدحم مسيرتيه العلمية والإبداعية بالانجازات، نالت روايته “تشريقة المغربي” أخيرا جائزة الطيب صالح للرواية، وفي هذا الحوار معه نتعرف على مسيرتيه العلمية والإبداعية ونلقي الضوء على جوانب مهمة في شخصيته.

البداية كانت مع فوز روايته “تشريقة المغربي” بجائزة الطيب صالح للرواية، حيث أكد فضل الله أن جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي أصبحت تظاهرة ثقافية وعيداً ينتظره الناس كل عام للمرة الثامنة على التوالي في احتفائهم بعبقري الرواية العربية ذاك الذي صنفت روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” ضمن أعظم مائة رواية في القرن العشرين.

وقد وجدت الجائزة صدى كبيراً وتقدمت بخطوات عظيمة إلى الأمام فأصبحت ضمن أعظم الجوائز العربية في الأدب. أما الفوز بالجائزة فهو حلم لكل أديب أو كاتب وروائي، لكن الفوز بالنسبة لي يعني أكثر من مجرد تحقق حلم ففوز أحد أعمالي بالجائزة، يعني نجاح مشروعي الروائي المعرفي الذي أقدمه للقراء ويؤكد لي أنني أسير على الطريق الصحيح.

ورأى فضل الله أن إنتماءه إلى بيت علم وقرآن وفقه كان هو اللبنة الأولى التي فتحت عقله ومداركه على اللغة والثقافة، وقال “أدركت منذ صغري بقية أجيال العظماء من الأدباء والمفكرين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فتتلمذت على البعض منهم، وقرأت أعمال البعض الآخر، وجمعت بين الآداب والثقافات العربية الإسلامية والغربية، فمنذ صغري حفظت القرآن وتعلمت الفقه وقرأت الشعر واللغة والعروض والنحو وقرأت الروايات والقصص والأدب العربي الحديث، ومن جهة أخرى قرأت في الآداب الغربية واللغات وغيرها، ثم صقلت هذا بالدراسة الأكاديمية في الجامعات والنشاط الثقافي والأدبي فيها”.

وأوضح فضل الله أنه نظم الشعر في صغره مثله في ذلك مثل بقية أهل السودان “النظم عند السودانيين هو هين مثل الكلام، ولذلك فلا عجب أن الكلمة المرادفة للفظ (تكلم) هي (انظم) وينطقونها (انضم) بالسودانية، وقد سبق الشعر الرواية عندي لأنني قرأت الشعر الفصيح منذ الصغر، فانفتحت قريحتي عليه فنظمته وأنا تلميذ في المتوسطة لم يطر شاربي ولم أبلغ الحلم حينها. لكنني لم أكتب الرواية إلا منذ بضع سنوات بعد أن بلغت الخمسين، ففي ظني أن الشعر لم تعد له تلك المكانة القديمة، فهذا عهد الرواية ولذلك خاطبت الشباب بما يحبون، وحيث إنني أمتلك القدرة على قراءة التاريخ قراءة جديدة، فقد كتبت لهم الرواية المعرفية التي تلعب في ميدان التاريخ”.

وحول استلهامه للتاريخ ووقائعه نصيب الحقيقة والمتخيل في تلك الأعمال، قال فضل الله “معلوم أن التخييل هو كل تاريخ يُبنى على وقائع في عقل المؤلف أكثر منه على وقائع حقيقية، وأن الشخوص التي يستحدثها المؤلف هي مجرد شخصيات خيالية أيضاً، بيد أن الوقائع الممثَّلة في التخييل ليست كلُّها بالضرورة متخيلة، وذلك مثلما هو في أعمالي وخاصة الرواية الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية “تشريقة المغربي” فقد أسستها على وقائع تاريخية مؤكدة، أستغل فيها فراغات التاريخ وفجواته فأُدخل فيها شخصيات وأحداثا مستوحاة من خيال المؤلف.

وإذا كانت بعض الأحداث أو الشخصيات متخيّلة، فلا ينبغي بالقدر ذاته أن تكون غير حقيقية فعنصر التخييل في رواياتي يسير جنباً إلى جنب في نسيجه السردي وسداه مع الحقيقة التاريخية. ومع أنه يقودنا عبر التخييل في عرض مادته الحكائية، لكنه لا يمنح الخيال الهيمنة الكاملة بل يجعل من الخيال مجرد عنصر مساعد لتمكين الحقائق التاريخية في ذهن القاريء عبر السرد وله القدرة على مزج التخييل التاريخي، والعجائبي والذاتي مع الحقيقة التاريخية في نسيج متميز ينتج لنا الرواية المعرفية”.

وأضاف فضل الله “على الرغم من الجدل الذي يدور حول المصطلح نفسه (الرواية التاريخية)، فما أكتبه أنا هو روايات وأعمال ذات علاقة بالتاريخ وليست روايات تاريخية وهي أعمال لها علاقة بالخيال وليست معنية بالحقائق بنفس القدر، وبالتالي فهي تحرك المكان والأشخاص والزمن بصورة مُتَصَوَّرَة وليس صورة واقعية. وتمتاز بأن اللغة والكتابة تضفي ثراء يكسبه الكاتب للشخصيات.

13وبناء الرواية لا علاقة له بالأحداث التاريخية لكن فيه (رائحة) للأحداث التاريخية! ولذلك فالرواية ذات العلاقة بالتاريخ لا تُحَاكَم تاريخياً بل تُحَاكَمْ أدبياً إلا إن خالفت ما عرفه الناس من الحقائق، فرواياتي ذات علاقة بالتاريخ رغم كونها روايات ليست واقعية بالطبع وليس بالضرورة أن تكون واقعية، فالتاريخ واقعي ومرتبط بالواقع تحديداً ويُحَاكم إذا فارق الواقع لكن الرواية ليست واقعاً بل هي واقع افتراضي، وأنا أمزج الحقائق التاريخية بالأدب وأتخذ من التاريخ ميداناً للحركة، وأحرك شخوصي وأنطقها وأكسبها روائح التاريخ فالرواية تكون هكذا. تكسب المكان رائحة وتكسبه صوتاً وتكسبه موسيقى، وعمر فضل الله يكسبها كل هذا من خياله وليس من التاريخ ولكني ألعب في داخل ميدان التاريخ، لعباً خاصاً بقدراتي على الخيال وبقدراتي على إكساب هذه الشخصيات الحركة والنطق وغير ذلك.

وتساءل عمر فضل الله أما لماذا أكتب في ميدان التاريخ؟ وقال “لأن عندي مشروعاً روائياً معرفياً ذا علاقة بتاريخ السودان أريد أن أقدمه للناس أطرح فيه من خلال رواياتي أسئلة حائرة تثيرها الأحداث التاريخية المتعاقبة على تاريخ السودان وأطرق بقوة على فجوات التاريخ الغائبة أو المغيبة فأنا لا أهرب إلى التاريخ بل أجعل التاريخ فكرة حاضرة في عقول القراء بتحريك التاريخ وتقديمه للقاريء ليس باعتباره تجربة ماضية منقطعة، بل باعتباره فكرة دائمة التدفق شاخصة في الزمان وشاهدة على أحداثه من خلال الرواية المعرفية”.

ولفت فضل الله إلى أنه يحتشد للرواية المعرفية فيقرأ كل ما كتب عن الفترة الزمنية التي ينوي اللعب في مضمارها و”لهذا فحين أكتب تكون كل دقائق تلك الفترة الزمنية متدفقة من اللاوعي عندي ومن حنايا الذاكرة لتجري مع الحبر منسكبة في القلم الذي أكتب به الرواية. أنا أقدم روايات معرفية أوظف فيها التاريخ والأسطورة في إطار النسق المعرفي الكامن في المقولات الشعبية وحكايات التاريخ الشفاهي لأعود بها من كونها مجرد حكايات للتسلية والمتعة إلى كونها حكايات تؤيد التاريخ المحكي وتضيف للأدب، وذلك من أجل إعادة تشكيل هوية معاصرة في زمن متحول ونقلها من خانة التصورات التاريخية الظرفية، إلى خانة الحكايات ذات الأصول التاريخية التي تقبل الدراسة والتمحيص وتتسق مع حقائق التاريخ. ففي حين يتجنب الروائيون الخوض في الرواية التجريدية للتاريخ فإن عمر فضل الله يقبل التحدي لخوض هذه المغامرة الصعبة”.

وكشف فضل الله أن جميع أعماله وليست روايته “ترجمان الملك” تمزج الواقعية السحرية بالرؤية التاريخية وقال “أوظف الرواية المعرفية لتعكس عالماً حقيقياً لكنه مسكون بالخيال، وفي الوقت نفسه تمثل تياراً من الواقعية السحرية عبر المزج بين شخوص وأسماء ذكية (حقيقية ومتخيلة) تحترم ذكاء القاريء ووعي المجتمع الحدي وتحقق الهدف من كتابة الرواية المعرفية”.

وقد تأثرت روايات فضل الله بدراساته العلمية والبحثية يضيء ذلك الأمر موضحا “حين كتبت رواية (أطياف الكون الآخر) وهي تمثل الفانتازيا في أعمالي مزجت فيها بين علوم الفضاء والفلك وعلوم الطبيعة والدراسات الفلسفية والرياضيات والمنطق جنباً إلى جنب مع التاريخ واللامعقول والخيال العلمي. دراسة الحاسب الآلي وفرت لي إمكانات الكتابة والنشر والتوثيق مثلما وسعت آفاقي في مجال الكتابة”.

وأكد فضل الله أن وجوده في دولة الإمارات العربية المتحدة أتاح له الخلوة مع نفسه ليتمكن من الكتابة والإبداع و”ربما لو بقيت في السودان لما تمكنت من إنجاز كل هذه الأعمال والروايات ولما رأى الناس مشروعي الثقافي المعرفي. وما زلت أذكر نصيحة عبقري الرواية العربية الراحل الطيب صالح حينما لقيني في السودان في منتصف تسعينيات القرن الماضي نصحني بالهجرة لأتمكن من الكتابة وكان يعلم إمكاناتي الأدبية واستعدادي الفطري لكتابة الرواية فعملت بنصيحته. أبوظبي مدينة هادئة وجميلة وبذلك فقد يسرت لي بيئة الإبداع الكتابي إضافة إلى طبيعة عملي الذي لا يأخذ من وقتي إلا بداية النهار ويبقى في الليل متسع للهدوء والكتابة”.

وأضاف “أشهد معارض الكتاب في الشارقة وأبوظبي وأشارك فيهما بإطلاق أعمالي أو توقيعها للقراء كما أشهد المنتديات الأدبية المصاحبة والأعمال الثقافية بالإضافة إلى المنتديات الأدبية كالتي تعقد في رأس الخيمة وغيرها. وأتابع مسابقات “أمير الشعراء” من خلال التلفاز فقط، وأتابع فاعليات الجوائز الأدبية التي ترعاها دولة الإمارات العربية المتحدة ففيها حراك ثقافي كبير ويدار بقدر عال من الاحترافية والشفافية وحسناً صنعوا برعاية جائزة الرواية العربية (البوكر) لكنني أعتقد أن هذه الجائزة ينبغي أن تنال حيزا أكبر من الاهتمام والرعاية لتأخذ مكانها ومكانتها الطبيعية بين الجوائز العربية”.

ورأى فضل الله أن مراكز الدراسات الاستراتيجية في الوطن العربي تؤدي مهمتها بجهد كبير لكن حجم تأثيرها على صناعة القرار من العسير قياسه، باعتبار طبيعة أعمالها وطبيعة العلاقة بين مراكز الدراسات والسلطات وجهات صناعة القرار، لكنني بالرغم من هذا وكمراقب لأعمال ودراسات مركز الإمارات العربية المتحدة للدراسات الاستراتيجية وبقية مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالدولة، أستطيع أن أؤكد لك أن كثيراً من الدراسات التي قام بها هذا المركز وجدت طريقها لصانع ومتخذ القرار بالدولة، وشهدنا نتائج ذلك على واقع الحياة وإدارة الدولة، وانعكس ذلك في التقدم العلمي والتطور متسارع الخطى الذي تشهده الدولة”.

وقال فضل الله إن الحكومات العربية رغم ما يحدث في دولها من مشكلات كبيرة وصراعات وحروب وتمزق إلا أنها بدأت تلتفت مؤخراً لأهمية تقنية المعلومات وعلوم الحاسوب وتوظيفها في إدارة الأنظمة والمؤسسات الحكومية وغير ذلك من المجالات، فبدأت تهتم بأنظمة وبوابات الحكومة الإلكترونية والذكية وتوظيف التقانات المتقدمة في خدمة المواطن وإدارة شئون الدول، ولا يفوتني هنا أن أشيد بالدور الريادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في إقامة ودعم هذا المجال بإنشاء مدن كاملة للانترنت، واستضافة مؤتمرات القمة العالمية للحكومات والمعارض الدولية للتقنية مثل معرض جايتكس السنوي وغير ذلك، لكن يبقى البون شاسعاً بالرغم من هذا كله بين العالم العربي وبقية دول العالم المتقدم في مجال توظيف تقنية المعلومات في حياتنا المعاصرة.

 

award-600x900وأشار فضل الله إلى أن فشل المنظمات الدولية في تعريف هذه المصطلحات الدخيلة على عالمنا جعل العالم الغربي يوظفها ضد عالمنا العربي والإسلامي بطريقة تخدم مصالحه هو فقط، ففي حين نجد أن التطرف الديني نشأ في الغرب بالحروب الصليبية القديمة التي وفدت إلينا من أوروبا، واستمرت سنين عدداً ثم بالاستعمار الغربي للدول والشعوب العربية، وأخيراً بالحروب الحديثة التي يشنها الغرب – ولا يزال – على بلاد المسلمين فيخترع لها المسميات الكثيرة لتخدم أهدافه.

ولا تزال البشاعات التي ارتكبت ضد المسلمين واليهود في الأندلس بعد سقوطها على أيدي القشتاليين عالقة بالأذهان إلى يومنا هذا، فالتاريخ لا ينسى الإبادة لمجرد اعتناق دين غير المسيحية وإجبار جميع السكان على اعتناق المسيحية أو الموت.

وأما في عصرنا الحديث فقد نشأت الجماعات الدينية المتطرفة في الغرب تحت مسميات شتى أيضا، لكن المدهش أيضاً هو أن مصطلح الإرهاب أصبح موجها ضد بلاد المسلمين فقط فنشأت الجماعات الدينية المتطرفة في بلادنا فجأة. صنعتها نفس القوى التي تتخذها ذريعة لارتكاب أبشع الجرائم تحت مسمى الحرب على الإرهاب بما فيها تلك التي اعتبرت جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وتعرضت شعوب عربية إلى جرائم الإبادة والقتل والتدمير والتهجير.

لقد فشلت الأمم المتحدة في التوصل لاتفاقية دولية لمناهضة الإرهاب بعد أن عرض مشروع القانون على لجنة القانون الدولي، واللجنة القانونية (السادسة) التابعة للأمم المتحدة، واستمر الموضوع مطروحاً، ولا يزال منذ أكثر من أربعين عاماً. ولم تتمكن الأمم المتحدة من تعريف للإرهاب متفق عليه، ولم تتمكن أيضاً من تعريف الجريمة الإرهابية. والسبب ببساطة ان كثيراً من القانونيين وخبراء القانون الدولي، لم يخدعوا بالدوافع السياسية لوضع اتفاقية دولية للإرهاب. وبذلك فإن عدم وجود تكييف قانوني للإرهاب كجريمة محددة، أدى إلى استخدام المصطلح كسلاح سياسي، وإعلامي، ضد العالم العربي والإسلامي فقط، فصنفت دول عربية وإسلامية كدول إرهابية وذلك بقصد حصارها، وإضعافها، وعزلها دوليا، من أجل إخضاعها، وجلبها إلى بيت الطاعة، أو منعها من تحقيق أهدافها في التقدم والتنمية، واستقلال القرار.

واستعمل الإرهاب كذريعة للعدوان على دول عربية وإسلامية أخرى، ووصمت حركات المقاومة والتحرير بالإرهاب وهو الغرض الحقيقي من استحداث مصطلح (الإرهاب) أصلاً. لقد نجح الغرب في تصنيع الإرهاب وتصديره إلينا لنقوم نحن بوعي أو بدون وعي بتسويق بضاعتهم الفاسدة والصواب هو أن نسمى الجرائم بأسمائها، ونلاحقها ونعاقبها وندينها، طبقاً لتكيفها في القوانين الدولية والوطنية، وعلينا أن نتوقف عن استعمال تعبير الإرهاب سياسياً وإعلاميا مادام ليس له وجود كفعل جنائي. فاستعماله موجه ضدنا في العالم العربي والإسلامي فقط بينما تبرأ بقية الشعوب الأخرى منه.

محمد الحمامصي

http://www.middle-east-online.com/?id=267725#