مجلة الرافد
الرواية المعرفية.. مجال أدبي يجمع بين الحقيقة والتخييل.
حوار مع الدكتور عمر فضل الله
حاورته: ماجدة حسن سلام
JUL 04 2022
د. عمر أحمد فضل الله الفحل(1956-) كاتب روائي وشاعر من السودان، وخبير بأنظمة ومشاريع الحكومة الإلكترونية الذكية والأمن السيبراني، حائز على درجة الدكتوراه في علوم الحاسب الآلي تخصص نظم المعلومات. ترجمت أعماله – ومنها روايته “أَنفَاسُ صُلَيْحَة” الفائزة بجائزة كتارا عن فئة الروايات المنشورة في أكتوبر عام 2018 إلى اللغة الإنجليزية، كما ترجمت له العديد من الروايات الأخرى للإنجليزية، منها “ترجمان الملك”، ترجمت للروسية وتجري ترجمتها للغة الفرنسية، وروايات “أطياف الكون الآخر”، و”نيلوفوبيا”، التي ترجمت للغة الإنجليزية، وتجري ترجمتها للغة الفرنسية، ورواية “تشريقة المغربي” التي تجري ترجمتها للغة الإنجليزية، ورواية “رؤيا عائشة”.
حصل على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثامنة عن رواية “تشريقة المغربي” في فبراير عام 2018. وجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الرابعة بفرع الروايات المنشورة عن رواية “أنفاس صُليحة” في أكتوبر 2018.
≡ والجدير بالذكر أن كلا الروايتين الفائزتين خلال العام 2018 تنتميان لنفس المشروع الروائي المعرفي، المعروف باسم “سسلسة الرواية المعرفية التوثيقية لتاريخ السودان”.
إضافة للمؤلفات الأدبية، له أيضًا مؤلفات عامة منها: حرب المياه على ضفاف النيل، حلم على ضفاف النيل، حلم إسرائيل يتحقق، وتاريخ وأصول العرب بالسودان.
≡ دوواين شعرية: زمان الندى والنوَار، وزمان النوى والنواح.
د. عمر أحمد فضل الله
“تدخل العوالم لتحتشد، وتكتب حقائق تاريخية، تجمع بين الخيال والمعرفة”
فماذا عن عالم الدكتور عمر فضل الله الروائي، والمؤثرات الأولى في إبداعه، وتكوين رؤيته الفكرية، ومشروعه الثقافي؟
أسهمت مؤثرات كثيرة ومتنوعة في إبداعي منذ الصغر، فقد حفظت القرآن ودرست الحديث والفقه، وحفظت الشعر العربي (الجاهلي، والإسلامي، والأموي، والعباسي، والأندلسي، والحديث)، وقرأت أمهات كتب الأدب (البيان والتبيين، والأمالي، والكامل في اللغة والأدب، والعقد الفريد، وأدب الكاتب والمقامات واللغة بأنواعها، وغير ذلك من المؤلفات والمصنفات)، وقرأت للمتقدمين والمتأخرين، وقرأت التاريخ وأدب الرحلات، وقرأت الأدب الإنجليزي والروسي، ودرست اللغات الإنجليزية والفرنسية فأثر ذلك في إبداعي الكتابي.
أما رؤيتي الفكرية فقد تأثرت إضافة إلى ما سبق بقراءة أعمال المفكرين العرب في القديم والحديث، وكذا مشاهير المفكرين العالميين، وما اكتسبته أثناء الدراسة في المراحل الثانوية والجامعية، ومرحلة الدراسات العليا، والأسفار واللقاءات بالعلماء والأدباء والمفكرين، وكذا الصالونات الثقافية والأدبية وغيرها.
مشروعي الثقافي هو أن أقدم للناس الثقافة الإفريقية المغمورة التي يجهلها العالم، وهي ثقافة أصيلة ظلمها العالم بأن قدم صورة شائهة لإفريقيا وثقافاتها، فأردت أن أجلوها للناس فأقدمها عبر الروايات المعرفية الممزوجة بالخيال، وبالثقافات السودانية والأدب الشعبي، وحكايات الجدات وروايات الأساطير لأحفز القارئ على الرجوع لتاريخ وثقافة وأدب إفريقيا.
تكتب الرواية بمقدرة تخييلية، ومعرفية، دون مخالفة للحقائق والثوابت التاريخية فهل توظف الرواية التاريخ أم العكس صحيح من وجهة نظرك؟
لست مؤرخاً، فأنا روائي يكتب الرواية التي تلعب في ميدان التاريخ، فتقدم للقارئ أدباً مبنياً على وقائع حقيقية ممزوجة بالخيال. أنا أوظف الأسطورة في إطار النسق المعرفي الكامن في المقولات الشعبية، وحكايات التاريخ الشفاهي لأعود بها من كونها مجرد حكايات للتسلية والمتعة، إلى كونها حكايات تؤيد التاريخ المحكي وتضيف لأدب الرواية، وذلك من أجل إعادة تشكيل هوية معاصرة في زمن متحول، ونقلها من خانة التصورات التاريخية الظرفية، إلى خانة الحكايات ذات الأصول التاريخية التي تقبل الدراسة والتمحيص وتتسق مع حقائق التاريخ. وأظن أني أفلحت عبر سلسلة رواياتي المعرفية من تقديم نموذج ناجح للرواية المعرفية، باعتبارها جنساً أدبياً شاملاً، يجمع بين الحقيقة والتخييل ويمتلك القدرة على إشعال الشّغف لدى المتعلّمين، وتسريب النّداوات إلى المقرّرات والمناهج التعليمية الجافة. فرواياتي هي طريقة مبتكرة لتقديم التاريخ ضمن وصفة سائغة يستطيعُها الأدب، ويستطيبُها القارئ، وبرغم ذلك أبقى روائياً وليست مؤرخاً.
تجمع الكثير من رواياتك بين التاريخ والمعرفة وأخرى عجائبية، تخييلية مثل: رواية “أَنفَاسُ صُلَيْحَة”، فهل تتفق مع اتجاه تيار الوعي الذي يقال إنه يمثل ثورة حقيقية في تاريخ التطور الروائي؟
معلوم أن تيار الوعي قد بدأ منذ مدة على أيدي وأقلام كثير من الأدباء، الذين مزجوا بين التخييل والواقع في السرد، وذلك باستدعاء شخصيات تاريخية لها رمزيتها المعرفية المتصلة بمرجعيات تاريخية أو دينية. تجدين ذلك في أعمال “باولو كويليو”: (الخيميائي، وساحرة بورتبيلو، ومكتوب، ومحارب النور)، وعند النرويجي “جوستاين غاردر” في روايته (عالم صوفي)، والكاتب الإسباني “لا نزا ديل فاستو” في روايته (الحج إلى الينابيع). إلا أن الجديد في أعمالي هو أني أستصحب وظيفة الأدب من كونه وسيلة للتسلية والترفيه والمتعة الذهنية، إلى كونه أداة لبث الوعي المعرفي الممزوج بالخيال غير المسموم، وذلك عبر النص الروائي (العجائبي) الممزوج بالنقاء الروحي، فإذا كان النص العجائبي لأولئك الكتاب والأدباء الكبار مقصوداً منه الإدهاش، واستحضار عوالم جديدة ليست فلسفية، فرواياتي تجمع بين الفلسفة والتاريخ الحقيقي والعجائبي؛ ولهذا فهي تمثل خطوة متقدمة في جنس الرواية المعرفية كجنس أدبي مستقل متفرد بحضوره السردي، يتبلور من خلاله مفهوم الرواية المعرفية شاخصاً واضحاً يضيف لتيار الوعي.
كيف يمكن للرواية في العموم ورواياتك على وجه الخصوص أن تحدث تغييراً جذرياً في الحياة البشرية، وتجعل المتلقي أكثر معرفة ووعياً بعالمه والعوالم الأخرى؟
فلنأخذ تجربتي الروائية على وجه الخصوص. أظن أني أفلحت عبر أعمالي الروائية في تسليط الضوء على أدب وتاريخ وثقافة منطقة السودان الكبير، الممتد من البحر الأحمر والمحيط الهندي شرقاً وحتى الأطلسي غرباً، فألزمت نفسي بالكتابة عن ثقافة مغمورة كان بالإمكان لو انتبه لها العالم في وقت مبكر، أن تسهم في تنوع ورقي الحياة البشرية، وذلك لأن إفريقيا تعتبر مهد الحضارة الإنسانية منذ القديم؛ فإنسان إفريقيا هو صانع حضارة عظيمة باقية. إن جهل العالم بالحضارة والثقافات الأفريقية يعتبر نقطة مظلمة في الوعي الإنساني، وفي تاريخ البشرية جمعاء، وأظن أن ما أقدمه للعالم من أعمال روائية إفريقية تسهم في ملء كثير من الفراغات والفجوات حينما أقوم باستدعاء التاريخ الإفريقي وإعادة بنائه نصّاً على النحو الذي لا يصادم حقيقته على وجه الإمكان والاحتمال، أستغل فيها فراغات التاريخ وفجواته، فأُدخل فيها شخصياتٍ وأحداثاً مستوحاة من خيالي. فآلية التخييل تعيد بناء التجربة النوعية وتسريدها من خلال نصٍّ تعاقُبيٍّ في الحبكة الروائية المتصلة التي تقدم المعرفة الإنسانية الأفريقية للقارئ، ليس باعتبارها تجربة ماضية منقطعة، بل باعتبارها فكرة دائمة التدفق شاخصة في الزمان، وشاهدة على أحداثه من خلال الرواية المعرفية مما يسهم في إعادة ترتيب الوعي الجمعي بالثقافة الإفريقية.
تعتمد الرواية “البوليفونية” على تعدد المواقف الفكرية واختلاف الرؤى الآيديولوجية، فهل يعني ذلك أنها حقاً روايةٌ ديمقراطية، بعكس الرواية التقليدية؟ وإلى أي منهما تنتمي رواياتك؟
كأنك بطريقة غير مباشرة تحاولين المقارنة والمقاربة بين الرواية المعرفية والرواية البوليفونية. فالرواية البوليفونية التي تفسر الواقع من وجهات نظر متعددة ومتراكبة في آن واحد، تجعل الواقع بداخلها أمرًا معقدًا لتصبح بذلك عملًا كونيًا أكثر من كونها رواية تمثل وجهة نظر الكاتب، وذلك لكونها عملاً غير مشروط، يمكن أن يجمع في جوفه بين الملحمة والتراجيديا والكوميديا، والنثر والشعر والحوار، والخطابة والخرافة والحقيقة، والفلسفة والأسطورة. ألا يمكن أن نختزل كل هذا في مصطلح (الرواية المعرفية)؟ فجميع ما ورد في السطرين السابقين هو باختصار (معرفة). ولا أظن أن مصطلح (ديمقراطي) يصف هذا النوع من (كتابة) الرواية، بقدر ما يصف طريقة (الحكم) عليها، فالديمقراطية هي: (ممارسة لسياسة حكم الشعب بواسطة الشعب)، بينما الرواية تمثل وجهة نظر أو لسان الكاتب، أو مجموعة الكتاب الذين يشتركون في مثل هذا النوع من الأعمال. أما رواياتي فتنتمي للمعرفية فهي ليست تقليدية ولا بوليفونية.
البعض يرى أن حركة النقد الأدبي أصبحت غير مواكبة للنصوص الإبداعية العربية الحديثة، فماذا عن دور النقاد مع أعمالك الإبداعية؟
في واقع الأمر أتفق معك في أنه لا توجد لدينا نظرية عربية للنقد حتى اليوم، سوى محاولات اجتهادية تجيء على استحياء هنا وهناك، إضافة لنشوء نقد (المجاملات)، وهو نقد غير علمي ولا يعتد به، وقد تجاوزته الحركة الأدبية الإبداعية بسنوات ضوئية. تناول بعض القراء و(النقاد) أعمالي بالتحليل والإطراء في بعض المقالات النقدية، لكني أعتقد أن الطريق طويل أمام نقد يقدم أعمالي للقارئ، متناولاً النظرية المعرفية التي بنيت عليها أعمالي الروائية، وكذا طريقتي في السرد والعجائبيات والتخييل المسنود بالحقائق.
هناك العديد من المصادر الثرية بالمعرفة والمؤثرة؛ لميلاد طاقة خلاقة للتوهج الفكري والثقافي، في رأيك أين تكمن تلك المصادر؟
مطلق القراءة هي معرفة، وبذا أنصح بالإكثار من القراءة في شتى ضروب المعرفة، سيما تجارب العلماء والمفكرين والمبدعين على مر الأزمان.
ما تقييمك لما تقوم به دور النشر في مصر، والدول العربية وحالة الزخم الروائي، الذي تشهده الساحة الأدبية حاليًا، وظاهرة الأكثر مبيعًا؟
في تقديري أن عملية النشر في العالم العربي ينبغي أن تخضع لمراجعة حقيقية، وتخضع لقواعد وقوانين تطوير نشر الأعمال، فلا تجيز للنشر إلا من يجتاز الشروط الفنية والأدبية من حيث سلامة اللغة، وصحة الأسلوب، وفنيات الكتابة، وقواعد الإملاء والطباعة والإخراج، وغير ذلك من الشروط، بدلاً من أن تكون عملية النشر تجارة أكثر من كونها ثقافة. نحن نشهد انفجاراً في عالم الرواية لكنه مليء بالغثاء ولا يسلم منه إلا القليل من الأعمال الأدبية. لقد رأيت أن بعض دور النشر تطبع نسخاً قليلة من العمل الروائي مثلاً، وذلك من أجل الترويج للعمل، ولتقول للناس إن الطبعة الأولى أو الخامسة أو العاشرة قد نفدت، ليقبل الناس على اقتناء هذ االعمل، وبالطبع هذا مما يتنافى مع أمانة النشر، فهو خداع وتزييف، وفي الوقت نفسه تضع المؤلف أو العمل في غير موضعه الحقيقي، ويقع القارئ ضحية لهذه الدعاية الزائفة.
الطقوس الخاصة أثناء ممارسة الكتابة ضرورة لكل مبدع؛ لتمكنه من المواصلة، فماذا عن طقوسك الخاصة؟ وهل سنحظى قريبًا بأحد أعمالك الإبداعية الجديدة؟
أكتب جالساً متقرفصاً وعن يميني كوب شاي أو فنجال قهوة. الكتابة عندي هواية. أستخدم الحاسب الآلي للكتابة. أكتب العمل مرة واحدة ولا أكتب مسودات. حين أجلس للكتابة تتدفق الفكرة فأصوغها وكأنما يمليني طيف من الأطياف.
يتطلع الكتاب من الشباب لمعرفة أهم نصائح وإرشادات كبار الكتاب، فما أهم النصائح التي تهديها لكل كاتب من أجل نجاح مشروعه الثقافي؟
نصيحتي للكتّاب الشباب هي باختصار:
✧ لا تستعجل الكتابة الأدبية قبل أن تقرأ كثيراً في اللغة والأدب ليأتي عملك ناضجاً.
✧ متى فرغت من عملك فلا تتسرع بنشره، بل امنح نفسك فترة من الزمان، ثم أعد قراءته بعين القارئ العادي أو الناقد الحريص، وكأنك تقرأه لأول مرة، فسوف تكتشف الكثير مما فات عليك.
✧ قبل أن تنشر مجموعتك القصصية الأولى، أوعملك الروائي، أو ديوان شعرك الأول أو أي عمل أدبي، أنصحك باستشارة مدقق لغوي من أجل سلامة اللغة، وخلو العمل من الأخطاء النحوية والإملائية.
✧ لا تعتمد على معرفتك باللغة مهما علا شأنك فيها وارتفع كعبك، فالسهو والخطأ قد يخرجانك من عالم الكتابة إلى الأبد.
✧ أنصحك أيضاً بعرض عملك على كاتب أو ناقد حريص على نجاحك ليقرأ معك العمل ويقدم لك النصح باعتباره أول القراء. وذلك لأنك بمجرد طباعة العمل تصبح تحت رحمة القراء، وأحكامهم التي قد تكون قاسية على العمل بسبب الأخطاء البسيطة التي من الممكن أن تدمر الأعمال العظيمة وتقضي عليها.
✧ استعن بمن سبقك من كبار الكتاب أو النقاد لاختيار عنوان جذاب، يعبر عن محتوى النص الذي كتبته (فالجواب يكفيك عنوانه).
✧ تصميم الغلاف هو أحد أهم عوامل النجاح، فالناس أصبحوا يشاهدون ولا يقرأون. التصميم الجذاب أحد عوامل الإعلان عن إنتاجك الفكري والأدبي. اختر مصمماً فناناً ليصمم لك صفحة الغلاف، واجعل صفحة الغلاف فريدة ومتقنة.
خِتاماً؛ أشكر الأستاذة ماجدة حسن سلام لإجراء هذا الحوار معي، وآمل أن تقدم تجربتي ملخصاً مفيداً للقارئ والأديب.

https://arrafid.ae/Article-Preview?I=8zDhoV1eNXg%3D&m=vF8qXhonlDQ%3D&fbclid=IwAR1pORgCA0Yq02_LBW90oenaLw8m66dfLLi8VY_VgSQHceCrRhjONJo5LYc