ذكرى الباخرة (10) رمضان الثلاثاء 03 يونيو 2008, 5:02 am
كنت حينها طالباً بالقاهرة و رغم أنني كنت في فترة إمتحانات و لكني كنت أحرص أن أقضي معهم يومياً ساعة و نصف مساءً. حيث أني على علاقة وطيدة مع كل الأساتذة الشهداء وعلاقة قربى مع جمع من الشهيدات ومنهن شقيقتي منى التي عن طريقها تعرفت على معظم الدرر من زميلاتها. نعم درر بمعنى الكلمة و قد يشاركني كل من حظي بمعرفتهن. و الحديث هنا يطول و لكني أعود لحكاية جزء من تلك الواقعة.
ذهبت معهم لوداعهم بمحطة القطار بعد أن فشلت في إقناع أستاذي الفاضل/ حسن مصطفى خالد. بأن يؤخر السفر قليلاً حتى أسافر معهم فقد كانت الإمتحانات على وشك النهاية. فتعذر بأن لهم حجز عربة خاصة في القطار السوداني و لايضمن حجز آخر لعربة خاصة بهم. قلت له أترك لي شقيقتي منى و سلمى بنت خالي النعمة حاج الطيب، خطيبة شقيقي يوسف حسن. فكان يقول إنها أمانة و لابد أن ترد الأمانة الى أهلها، كان يقولها باسماً و بكل حزم ” كيف تتصور ذلك لا لا و ألف لا” ركبت معهم القطار بمحطة رمسيس بالقاهرة و نحن نتجاذب الحديث، سفر القطار معلناً التحرك، أمسكتب بي شقيقتي منى بقوة و أنا أحاول تحرير نفسي منها، أسرع القطار و لم أستطع النزول حتى محطة الجيزة و هي المحطة التالية.
كنت مع بعض الزملاء بمصر الجديدة نشاهد في الأخبار في القناة المصرية، فكما تعلمون لم تنطلق حينها الفضائيات بعد. ورد خبر الباخرة عشرة رمضان التي تعرضت لحادث بشكل غير دقيق. خرجت مسرعاً و ذهبت الى سكن شقة طلاب الجريف في المنيل، وجدتهم جميعاً واجمون. قلت لهم لابد أن أذهب الى مكان الحادث فقد كان الحادث مساءً. ذهب معي الأخ/ فتحي كمال الدين، حيث أن شقيقه عمر ضمن ركاب الباخرة. ايضاً ذهب معنا الأخ الطبيب/ صلاح أشول “من أبناء الحاج يوسف” لم نجد طائرة الى أبوسمبل مباشرة فذهبنا الى أسوان، فقد كانت أول طائرة من أسوان الى أبو سمبل صباحاً لذا كان علينا المبيت في أسوان. علمنا أن القنصل السوداني بأحد الفنادق ، ذهبنا اليه لأخذ مزيداً من المعلومات، ولكنه كان أيضأ يفتقر الى المعلومات أو لا يريد أن يفصح. فذهبنا الى منزل أحد زملائي في الجامعة والسكن وهو مصري نوبي. تفاعلوا معي أهله بشكل لا يوصف، و حينما خرجنا في الفجر أكاد أقول أن كل أهل منطقة “كيما السد” كانوا بالشارع و دعائهم يسمع من كل جانب. بعض النساء يقفن على البلكونات أو يطلون من النوافذ وهم يدعون.

وصلنا أبو سمبل فوجدنا الكل مشغولون سوى بالدفن أو عمليات الإنقاذ التي كان جارية حتى ذاك الحين. ذهبنا الى أحد المسئولين مستفسرين. فقال لنا هناك بعض الناجين قد رحلوا و بعض الشهداء قد دفنوا و مازال هناك مفقودين و البحث جاري. وزودنا بقوائم قال يمكنكم البحث فيها.

تخيلوا معي هذا الموقف …. ذهب كل من الأخوان فتحي و صلاح بعيداً بعد أن إستلمنا القوائم في أيدينا و أخذت أقلب في الصفحات متظاهراً بالجلد متزرعاً بالصبر فعلمت أن أخواتي من الشهداء وكذلك عمي الأستاذ/ التجاني عثمان وزوجته الأخت/ فاطمة عبد الله والأخ الأستاذ/ حامد. كما علمت من أهل منطقة أبو سمبل كم جاهد الأستاذ/ حسن مصطفى في الإنقاذ الى أن التحق بركب الشهداء. و من الناجين كل من الأخ عمر كمال الدين ، و إبن الخالة/ محمد الزبير ، وبنت الأخت سلوى علي عبدالقادر، والأخت آمال ياسين.
عدنا الى أسوان فوجدنا أهل “كيما السد” مازالوا في الشارع و بعد علمهم من الأخبار، جهش النساء و الرجال بالبكاء حتى ذلك الحين كنت متماسكاً حتى إلتقيت بهم وتحدث إليهم و شاهدت ماشاهدت و كان منهم من يحأخذني في أحضانه بقوة ، بكيت بحرقة شديدة و أخذ جسمي بأكمله يرتعش وأنخارت كل قواي. نحن الثلاثة كنا في حالة يرثى لها و لكن أهل كيما جعلونا نشعر نحن وسط أهلنا.

أحمدك ربي و أشكرك على نعمتك و رحمتك وأسألك ربي أن تعم رحمتك و مغفرتك و رضاك كل ركاب الباخرة عشرة رمضان الأحياء منهم و الشهداء و أن تجعل الشهداء منهم من أهل الجنان برحمتك يا أرحم الراحمين. أسألك ربي أن تطمئن ذويهم برضاك و عفوك فأنت الكريم تحب العفو أعفو عنا أجمعين.

هي مشاركتي الأولى في منتدى الجريف الذي قرأت كثيراً من مواضيعه السابقة ولا أقول مجملها، وكم سعدت بتلك الخطوة المتزامنة مع العصر الذي نعيشة. و لكن أنتي يا سودانية طرقتي باباً كان من أكبر المؤثرات في حياتي. و أنا أتابع كلماتك ذات الروح وتوثيقك لتلك الواقعة فعاد ذهني خمسة و عشرون عاماً للخلف و شيئاً من تلك الرجفة و أنا في كيما السد شعرت بها في دواخلي وأنا بع أسطرك. مهما كانت مرارة الأحداث جميل أن تؤرخ. و بالتأكيد هنالك أجزاء كثيرة من تلك الحادثة لدى أناس مختلفة. لم تجد منبرا تحكي من خلاله قصة الباخرة عشرة رمضان. التي ما زالت غامضة ونقاط تستدعي التساؤل:
* مواكبة إحتفال نميري و صحبه ب 25 مايو
* إحتفالات الخرطوم و القاهرة بالتكامل
* حريق مصنع في مصر
* التعتيم على الخبر في حينه لدى كل من السلطات السودانية و المصرية
* نجاة كل طاقم قيادة الباخرة
* تم إلقاء القبض عليهم بعد تناول بعض الصحف إهمالهم ، ثم إطلقوا دون محاكمة معلنة.

ختاماً أضيف لقد كتب العم الشاعر الأستاذ/ عبد القيوم إبراهيم مالك، مرثية يرثي فيها بنته هويده و صاحباتها ،( كانت لي بنية ليها صاحبات مشــن و تــاني مـاجـن راجعــات )
أدى الأستاذ/ يوسف حسين تلك المرثية بشكل رائع.

============================================
من شهداء الباخرة

1ـ حامد خالد
2 ـ ألهام خضر
3ـ عفاف سعيد (كوبر )
4 مني عثمان ( العيلفون )
5ـ نفيسة ….. ( ام ضواًبان)
6ـ ندي عبدالله ( الحاج يوسف )
7ـ ابتسام أبراهيم
8ـ مهاخضرعباس (الجريف شرق)
9ـ رشيدةالتوم (الجريف شرق)
10ـ دارالسلام احمد (والده رشيدة)
11ـ مها حامد(بري)
وانشاء الله أعدكم بالبقية
=======================
– الأستاذ / حسن مركز
2- الأستاذ / محمد نور الجليل
3- الأستاذ / التيجاني حسين
4- أحمد عوض الكريم
4- فاطمة حاج عبدالله
5- سلمى النعمة حاج الطيب
6- منى الهادي يوسف
7- هويدا عبدالقيوم
8- منى حسن حمزة

لهم الرحمة والمغفرة بإذن الله