الروائي عمر فضل الله ظل في مسيرته الروائية وفياً لقراءته للتاريخ، وإذا كانت مكتبة السرد العربية حافلة بقصص التغريبة (تغريبة بني هلال) فإن عمر اهتم بتشريقة المغربي، ورحلات وهجرات المغاربة إلى المشرق كثيرة، وبالذات إلى السودان.
وفي نهجه في كتابة الرواية يحاول الكاتب الجمع بين الحقائق التاريخية، والخيال، ويحاول أن يقدم قراءة مختلفة للتاريخ، وقد تجلّى ذلك في أكثر من عمل روائي سابق لهذه الرواية (تشريقة المغربي).
وقد رأينا شيئاً من ذلك في ترجمان الملك، والتي قدمت رؤية إبداعية لأحداث هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة في القرن السابع الميلادي على عهد الرسول الكريم محمد بن عبدالله ، وفي رواية أنفاس صليحة التي قدمت قراءته لأحداث سوبا عاصمة مملكة علوة المسيحية في السودان في حوالي 1504م.
ولعمر فضل الله طريقته الخاصة في استهلال عمله الروائي ، وإدخال القارئ مباشرة في أجواء الرواية { لو زرت سنار يوماً حين تقل مقر الملك إليها وذلك بعد بضعة وعشرين عاماًمن خراب سوبا } هو يعرّفك بالمكان وبالزمان، عبر ذكر الأحداث والوقائع التاريخية المهمة .. وهو يمزج حقائق التاريخ بنمو علاقات إنسانية تجمع بين شخوص الرواية .. وهو يربط بين الأندلس وسنار في أكثر من موضع . فهو حين يتحدث عن المخطوطات وإنشاء مكتبة السلطان، وحكاية جد صليحة عن مكتبات الأندلس (اكتشفت أن الناس هنا شحيحون بالكتب والمخطوطات).
وهذه الرواية تدفع القارئ للاهتمام بالتاريخ السوداني الذي يشكّل مادة خصبة نهل منه الشعراء وأهل المسرح في استلهامهم للفترة السنارية (1505 – 1821) .. وهذه الفترة لازالت تلقي بظلالهاعلى الإنسان السوداني رغم مرور السنوات.
وقد قامت لجنة التحكيم بمنح الجائزة لهذه الرواية وهي مكونة من البروفسور واسيني الأعرج والبروفسور عبدالرحمن الخانجي ، والروائي عيسى الحلو لما رواه فيها من ميزات جعلتها تتفوق على غيرها من الروايات الكبيرة التي شاركت في مسابقة جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي – الدورة الثامنة .
وإذا نظرنا إلى القول السائد بأن هذا الزمن هو زمن الرواية، فإننا نجد أن الرواية قد حققت هنا قراءة جديدة لعصر قديم، ولجزء من تاريخ السودان لم يتم التنقيب عنه، والاستفادة من وقائعه وأحداثه إبداعياً .. وباختصار يمكن القول أن هذه الرواية تمثل إضافة جديدة إلى المكتبة السردية العربية .
مجذوب عيدروس