عامر بن الظَّرِب العدْواني شاعر حكيم وخطيب، وسيّد قومه بني عدوان، ارتقى للسّيادة بحكمتِه وتواضُعه، وسار في دربها، وتعدَّاها إلى العرب قاطبة حتَّى أصبح يُقال له: حكيم العرب، وهو الَّذي يقول عن نفسه: لَم أكُن حكيمًا حتى صاحبتُ الحكماء، ولم أكن سيِّدَكم حتَّى تعبَّدت لكم. يقال: إنَّه عاش وعُمِّر أكثر من ثلاثمائة سنة، إنَّه ، سيد عدوان. ثمَّ إنَّه لما أسنَّ واعتراه النِّسْيان، أمر بنتَه أن تقرع بالعصا، إذا هو حاد عن الحكم وجار عن القصْد وذلك حتى ينتبه فيعود عن خطئه.  وكانت ابنة أبيها حكيمةً من حكيمات بنات العرب، حتَّى جاوزت في ذلك صُحْر بنت لقمان، وهند بنت الخسّ، وجمعة بنت حابس، وكان يقال لعامر بن الظَّرب العدواني: “ذو الحلم”؛ لذلك قال الحارث بن وعلة:

وَزَعَمْتُمُ  أَنْ  لا  حُلُومَ   لَنَا        إِنَّ العَصَا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ 

وقال المتلمس:

لِذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمِ مَا تُقْرَعُ العَصَا        وَمَا   عُلِّمَ   الإِنْسَانُ   إِلاَّ    لِيَعْلَمَا

 وهو يعد  من رجال قلائِل نقل عنهم أنَّهم حرَّموا الخمر على أنفُسِهم في الجاهليَّة تكرُّمًا وصيانة لها، وقال في ذلك:

سَآَّلَةٌ  لِلفَتَى  مَا  لَيْسَ  فِي  يَدِهِ        ذَهَّابَةٌ   بِعُقُولِ   القَوْمِ    وَالمَالِ
أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ  أَسْقِيهَا  وَأَشْرَبُهَا        حَتَّى يُفَرِّقَ تُرْبُ القَبْرِ  أَوْصَالِي
مُورِثَةُ  القَوْمِ  أَضْغَانًا  بِلا  إِحَنٍ        مُزْرِيَةٌ بِالفَتَى ذِي النَّجْدَةِ الحَالِي

 ومِن حكمته وصاياه لقومه:

ومنها: “يا معشَرَ عدوان، لا تشمتوا بالذّلَّة، ولا تفرحوا بالعزَّة، فبكلّ عيش يعيش الفقير مع الغنيّ، ومن يَرَ يومًا يُرَ به، وأعدّوا لكلّ أمر جوابه، إنَّ مع السَّفاهة الندم، والعقوبة نكال، وفيها ذمامة، ولليد العليا العاقبة، وإذا شئت وجدت مثلك، إنَّ عليك كما أنَّ لك، وللكثرة الرعب، وللصَّبر الغلبة، ومن طلَب شيئًا وجده، وإن لم يَجِدْه أوشك أن يقع قريبًا منه”.  ومن جوانب حكمتِه قوله: “ربَّ زارع لنفسه حاصد سواه” كان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول: “دعوا الرأي يغب حتَّى يختمر، وإيَّاكم والرَّأيَ الفطير”. يريد الأناة في الرَّأي والتثبُّت فيه. ومن أمثالهم في هذا قولُهم: لا رأْي لِمَن لا يطاع. ربَّ أكلة منعت أكلات، وأوَّل مَن قاله عامر بن الظرِب. وأصله أنَّ رجُلاً أكل طعامًا كثيرًا فبشِم، فترك الطَّعام أيَّامًا، ونظمه شاعرٌ فقال:

وَرُبَّتْ  أَكْلَةٍ  مَنَعَتْ   أَخَاهَا        بِلَذَّةِ  سَاعَةٍ   أَكَلاتِ   دَهْرِ
وَكَمْ مِنْ طَالِبٍ يَسْعَى لِشَيْءٍ        وَفِيهِ هَلاكُهُ  لَوْ  كَانَ  يَدْرِي

وقال عامر بن الظَّرب: الرَّأيُ نائِم والهوى يقظان؛ ولذلك يغلب الرَّأي الهوى. وقيل: زوَّج عامر بن الظَّرب ابنتَه من ابنِ أخيه، فلمَّا أراد تَحويلها قال لأمِّها: مُري ابنتَك أن لا تنزل مفازةً إلاَّ ومعها ماء؛ فإنَّه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، وأن لا تمنعه شهوتَه؛ فإنَّ الحظوة الموافقة، وأن لا تُطيل مضاجعتَه؛ فإنَّه إذا ملَّ البدن ملَّ القلب. فلمَّا كان بعد أشْهر أتتْه مضروبة، فقال لابن أخيه: يا بُنيَّ، ارفع عصاك عن بكرتك تسكن، فإن كانت نفرت من غير أن تنفر فهو الدَّاء الَّذي لا دواءَ له، وإن لم يكن ومَاقٌ فتعجيل الفراق، والخلع أحسن من الطَّلاق، ولَن نسلبَك أهلك ومالَك. ثمَّ ردَّ عليه الصَّداق وفرَّق بينهما، فهو أوَّل خلع كان في العرب.

 ثمَّ إنَّه شاعر قال مادحًا قومَه:

أُولَئِكَ  قَوْمٌ   شَيَّدَ   اللَّهُ   فَخْرَهُمْ        فَمَا فَوْقَهُ فَخْرٌ  وَإِنْ  عَظُمَ  الفَخْرُ
أُنَاسٌ إِذَا  مَا  الدَّهْرُ  أَظْلَمَ  وَجْهُهُ        فَأَيْدِيهِمُ   بِيضٌ   وَأَوْجُهُهُمْ   زُهْرُ
يَصُونُونَ  أَحْسَابًا   وَمَجْدًا   مُؤَثَّلاً        بِبَذْلِ  أَكُفٍّ  دُونَهَا  المُزْنُ  وَالبَحْرُ
سَمَوْا فِي المَعَالِي  رُتْبَةً  فَوْقَ  رُتْبَةٍ        أَحَلَّتْهُمُ   حَيْثُ   النَّعَائِمُ    وَالنَّسْرُ
أَضَاءَتْ لَهُمْ  أَحْسَابُهُمْ  فَتَضَاءَلَتْ        لِنُورِهِمُ   الشَّمْسُ   المُنِيرَةُ   وَالبَدْرُ
فَلَوْ لامَسَ الصَّخْرَ  الأَصَمَّ  أَكُفُّهُمْ        لَفَاضَ يَنَابِيعَ النَّدَى  ذَلْكَ  الصَّخْرُ
شَكَرْتُ  لَهُمْ   آلاءَهُمْ   وَبَلاءَهُمْ        وَمَا ضَاعَ  مَعْرُوفٌ  يُكَافِئُهُ  شُكْرُ
وَلَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ البَسِيطَةِ مِنْهُمُ        لِمُخْتَبِطٍ  عَافٍ  لَمَا  عُرِفَ  الفَقْرُ

 وهو الَّذي عناه ذو الإصبع العدواني شاعر عدوان “منهم حكم يقضي” في قصيدة له شهيرة:

عَذِيرَ الحَيِّ مِنْ عَدْوَا        نَ كَانُوا حَيَّةَ الأَرْضِ
بَغَى بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ        فَلَمْ يُبْقُوا عَلَى  بَعْضِ
فَكَانَتْ مِنْهُمُ  السَّادَا        تُ وَالمُوفُونَ بِالقَرْضِ
وَمِنْهُمْ حَكَمٌ  يَقْضِي        فَلا يُنْقَضُ مَا  يَقْضِي

 خطبة عامر بن الظرب العدواني وقد خطبت ابنته:

 خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب العدواني ابنته عمرة فقال: يا صعصعة انك جئت تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي منعتك أو بعتك، النكاح خير من الأيمة والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك أفر من السر إلى العلانية، أنصح ابناً وأودع ضعيفاً قوياً ثم أقبل على قومه فقال يا معشر عدوان أخرجت من بين أظهركم كريمتكم على غير رغبة عنكم ولكن من خط له شيء جاءه. رب زارع لنفسه حاصد سواه ولولا قسم الحظوظ على قدر الجدود ما أدرك الآخر من الأول شيئاً يعيش به ولكن الذي أرسل الحيا أنبت المرعى ثم قسمه أكلا، لكل فم بقلة ومن الماء جرعة، إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واع ولكل شيء راع ولكل رزق ساع، إما أكيس وإما أحمق وما رأيت شيئاً إلا سمعت حسه ووجدت مسه ولا نعمة إلا ومعها بؤس. ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء فهل لكم في العلم العليم قيل: ما هو قد قلت فأصبت وأخبرت فصدقت فقال: أموراً شتى وشيئاً شيا حتى يرجع الميت حياً ويعود لا شيء شيا ولذلك خلقت الأرض والسموات.

نماذج من شعره:


قالَت إِيادٌ قَد رَأَينا نَسَبا

في اِبنَي نَزارٍ وَرَأَينا غَلَبا

سيري إِيادُ قَد رَأَينا عَجَبا

لا أَصلُكُم مِنّا فَسامي الطَلَبا

دارَ ثَمودٍ إِذ رَأَيتِ السَبَبا


أَرى الدَهرَ سَيفاً قاطِعاً كُلَّ ساعَةٍ        يُقَدِّمُ  مِنّا   ماجِداً   بَعدَ     ماجِدِ

وَأَنَّ  المَنايا  قَد  تَريشُ    سِهامَها        عَلى  كُلِّ  مَولودٍ  صَغيرٍ   وَوالِد

وَكُلُّ  بَني  أُمِّ   سَيُمسونَ     لَيلَةٌ        وَلَم يَبقَ مِن أَعيانِهِم  غَيرُ    واحِدِ


 أولَئِكَ   قَومٌ   شَيَّدَ   اللَهُ     فَخرَهُم        فَما فَوقَهُم فَخرٌ  وَإِن  عَظُمَ  الفَخرُ

أُناسٌ إِذا  ما  الدَهرُ  أَظلَمَ  وَجهُهُ        فَأَيديهُمُ   بيضٌ   وَأَوجُهُهم    زُهرُ

يَصونونَ  أَحساباً  وَمَجداً     مُؤثَّلاً        بِبَذلِ  أَكفٍّ  دونَها  المُزنُ  وَالبَحرُ

سَمَوا في المَعالي رُتبَةً  فَوقَ    رُتبَةٍ        أَحَلُّتهُمُ   حَيثُ   النَعائِمُ     وَالنَسرُ

أَضاءَت لَهُم  أَحسابُهُم    فَتَضاءَلَت        لَنورِهُمُ  الشَمسُ   المُنيرَةُ     وَالبَدرُ

فَلَو لامَسَ الصَخرَ  الأَصَمَّ    أَكُفُّهُم        لَفاضَ يَنابيعَ النَدى  ذَلِكَ  الصَخرُ

شَكَرتُ   لَهُم   آلاءَهُم     وَبلاءَهُم        وَما ضاعَ  مَعروفٌ  يُكافِئُهُ    شُكرُ

وَلَو كانَ في الأَرضِ البَسيطَةِ مِنهُم        لِمُعتَبَطٍ  عافٍ  لَما  عُرِفَ   الفَقرُ


أَصبَحَتُ شَيخاً أَرى الشَخصَينِ أَربَعَةً        وَالشَخصَ شَخصَينِ لَمّا شَفَّني    الكِبَرُ

لا أَسمَعُ الصَوتَ  حَتّى  أَستَديرَ    لَهُ        وَحالَ بِالسَمعِ دوني  المَنظَرُ    العَسِرُ

وَكُنتُ أَمشي  عَلى  الرِجلَينِ    مُعتَدِلاً        فَصِرتُ أَمشي عَلى ما تُنبِتُ  الشَجَرُ

تَقولُ  اِبنَتي  لَمّا   رَأَتني     كَأَنَّني        سَليمُ   أَفاعٍ   لَيلُهُ   غَيرُ   مودَعِ

فَما  السَقمُ  أَبلاني  وَلَكِن  تَتابَعَت        عَلَيَّ سِنونٌ  مِن  مَصيفٍ    وَمَربَعِ


 ثَلاثُ  مِئينَ  قَد   مَرَرنَ     كَوامِلاً        وَها  أَنا  هَذا  أَرتَجي  مَرَّ     أَربَعِ

فَأَصبَحتُ مِثلَ النَسرِ طارَت فِراخُهُ        إِذا  رامَ  تَطياراً   يُقالُ   لَهُ     قَعِ

أُخَبِّرُ أَخبارَ القُرونِ  الَّتي    مَضَت        وَلا بُدَّ يَوماً  أَن  يُطارَ    بِمَصرَعي


إِن أَشرَبِ الخَمرَ أَشرَبها   لِلَذَّتِها        وَإِن أَدَعها فَإِنّي  ما  قِتٌ    قالِ

لَولا اللَذاذَةُ  وَالقَيناتُ  لَم    أَرَها        وَلا رَأَتني إِلّا  مِن  مَدىً    عالِ

سلابَةً لِلفَتى ما لَيسَ في    يَدَيهِ        ذَهّابَةً  بِعُقولِ   القَومِ     وَالمالِ

مورِثَةُ القَومِ أَضغاناً  بِلا    إِحَنٍ        مُزرِيَةٌ بِالفَتى ذي النَجدَةِ الحالِ

أَقسَمتُ بِاللَهِ  أَسقيها    وَأَشرَبُها        حَتّى يُفَرِّقَ تُربُ القَبرِ   أَوصالي


لَعَمري  لَقَد  ذَهَبَ    الأَطيبانِ        شَبابي وَلَهوي  فَعَدّوا    المَلاما

أَلَم تَرَ  أَنّي  إِذا  ما    مَشَيتُ        أُخَطرِفُ خَطوي وَأَمشي   أَماما

وَأَكرَهُ  شَيءٍ   إِلى     مُهجَتي       إِذا  ما  جَلَستُ  أُريدُ    القِياما

 وَأَشهَرُ   لَيلي   عَلى     أَنَّني        أُراعي الدُجى ما أَذوقُ المَناما

 وَأَرمي بِطَرفي إِذا  ما  نَظَرتُ        كَأَنَّ عَلى الطَرفِ مِنّي   غَماما

 عَدُوُّ  النِساءِ   قَليلُ     العَزاءِ        كَثيرُ الأَسى  ما  أَلَذُّ    طَعاما

 أَرى  شَعراتٍ  عَلى    حاجِبَيَّ        بيضاً   رقاقاً   طِوالاً     قِياما

 أَظَلُّ   أَهاهي   بِهِنَّ     الكِلا        بَ  أَحسَبُهُنَّ   صِواراً     قِياما

أَظَلُّ  أُراعي   بِهِنَّ     النُجومَ        أَراها  هِلالاً  عَلا     فَاِستَقاما

وَأَحسَبُ أَنفي  إِذا  ما    مَشَي        تُ شَخصاً أَمامي رَآني   فَقاما

أُرَجّي  الحَياةَ  وَطولَ    البَقاءِ        وَعَفوَ  السَلامَةِ  عاماً   فَعاما

وَهَيهاتَ هَيهاتَ  هَذا    الرَدى        يُريدُ صُروفاً  لِيَقضي    حِماما

وَلا بُدَّ  لي  مِن  بُلوغِ    المَدى        وَأَلحقَ  عاداً  وَنوحاً     وَساما


إِنّي غَفَرتُ لِظالِمي ظُلمي        وَتَرَكتُ ذاكَ  عَلى  عِلمي

فَرَأَيتُهُ  أَسدى   إِلَيَّ     يَداً        لَمّا  أَبانَ  بِجَهلِهِ    حِلمي


فَسَعدٌ  أَرحَلَت  مِنها     مَعَدّاً        وَكَيفَ تُصاقِبُ الداءَ    الدَفينا

فَيا سَعدُ بنُ مالِكِ  يا    لَسَعدٍ        وَهَل سَعدٌ لِنُصحي    يَنزِعونا

فَلا  تُقصوا  مَعَدّاً  إِنَّ    فيها        إِلافَ  اللَهِ  وَالأَمرَ    السَنينا

فَمَذحِجُ قَد نَأى مِن بَعدِ قُربٍ        فَيا   لِلَّهِ    يا      لِلمُسلِمينا


 قُضاعَةَ أَجلَينا  مِنَ  الغَورِ    كُلِّهِ        إِلى فَلَجاتِ الشامِ تُزجي   المَواشِيا

لَعَمري لَئِن صارَت شَطيراً دِيارُها        لَقَد تَأصِرُ الأَرحامُ مَن كانَ   نائِيا

وَما عَن تَقالٍ كانَ  إِخراجُنا  لَهُم        وَلَكِن  عُقوقاً  مِنهُمُ  كانَ     بادِيا

بما  قَدَّمَ  النَهدِيُّ  لا  دَرَّ     دَرُّهُ        غَداةَ  تَمَنّى   بِالحِرارِ     الأَمانِيا