صباح الخلد البهي يا أبا النون والنور وأخواتهن.. “صباح الخير أيها الوجه اللامرئي الجميل” الذي لم يعد بيننا رأي العين لكنه بقي فينا رأي القلب والبصيرة والعقل والحقيقة المتسامية فوق غيابات “الوهم” والخيال.  

يارفيقي. أيها الحلو. لقد مضيت إلى عالمك الجديد وتركتني خلفك “أختبيء لأبحث عنك” أمني النفس بلقائك هنا في عالمي رغم أني أعلم أنني بذلك قد اخترت “الوهم” مثل “عجوز فوق الأرجوحة” يغفو فيحلم بـ“وردة حمراء من أجل مريم”. وأنت اخترت الرحيل إلى هناك لتقيم في قصر المرايا في “الجنة بأعلى التل” حيث “مداخل العصافير إلى الحدائق” تحلق معها بأجنحة ملونة مثل “ريش الببغاء” وتصحبها في “رحلة الملاك اليومية” إلى قصرك العالي المتأرجح وسط السرايا.. جيئة وذهاباً مسافراً فوق غيمة كبيرة من البخار تتصاعد في علو السماوات الزرقاء لترسم ألوان الفجر والضحى والمساء. وحين يؤذن الأذان ينبثق القصر مثل زهرة ويكشف البهاء فتنجلي جدران الماء الشفيف الممطر لتشف عن قصرك اللؤلؤي البراق…”

ما زلت أجتر حواراتك الجميلة التي كنت فيها مربياً ومعلماً. كنت تسألني وكأنك ترغب في التعلم وزيادة المعرفة، وكنت أوقن أنك أنت من يهدي لي المعرفة عبر السؤالات. كنت تمازحني بالأسئلة الفضفاضة لكني كنت أتعلم منها الكثير. كان ذلك عقب فوزي بجائزة الطيب صالح عن رواية تشريقة المغربي. قلت لي يومها: لماذا اخترت الرواية كجنس تعبيري لمشروعك الأدبي والفني يا عمر؟ لكن دعني أقول لك شيئاً، إن روايتك هذه “تشريقة المغربي” ستحدث حراكاً أدبياً وثقافياً في العالم العربي بأكثر مما أحدثته رواية موسم الهجرة إلى الشمال” فأصبتني بالدهشة حتى إنني قلت لك إنك تمزح فأكدت لي أنك تعني ما تقول. ثم قلت لي أعلم أنك بدأت بالشعر فلماذا تركته؟ هل لأن هذا هو عصر الرواية؟ ولما سكت متحيراً فلم أجبك قلت لي مستطرداً: الكتاب الشباب اتجهوا لكتابة الرواية لأنهم يعبرون عن مأزقهم الموجود بإتقان كامل وهذا ما لا يسعف الكتابة الشعرية. هل أنا محق؟ دعني أجري معك حواراً ننشره في صحيفة الرأي العام.

ولم تنتظر موافقتي فغمرتني بالأسئلة: ماذا عن المشهد الروائي السوداني الآن؟ هل أنت مع المقولة التي تجعل من الطيب صالح سقفاً للرواية؟ لماذا اخترت التاريخ إطاراً روائياً لأعمالك؟ عالمك الروائي ينهض على أرض الفكر وليس التجربة الوجودية الحياتية المباشرة؟ لقد أسميت مشروعك (بالعرفانية) ماذا تعني؟

وعدت يومها من مكتبك ممتلئاً غروراً فقد حاورني عيسى الحلو وأثنى على أعمالي. ياله من يوم استثنائي مدهش. ثم اخترت العودة غرباً هناك عبر بحر الظلمات ولم أكن أعلم أنه كان آخر لقاء لي بك أيها الوجه الجميل.

لكنك يا صديقي وأنت في قصرك تركتني هنا أتأرجح في “حمى الفوضى والتماسك” بين “الورد وكوابيس الليل” بعد أن أيقظت فيَّ جنون المشهد السردي وفتحت في عالمي نافذة تطل على عالم “الثقافة والفنون” عشت فيها معك خمسين عاماً من الحكي والسرد البهي، سطرتها “الأيام” فشغلت “الرأي العام”.

أولئك الذين حملوا نعشك فأودعوه باطن الأرض نهار الاثنين الخامس من يوليو عام ٢٠٢١ وظنوا أنهم ودعوك إلى الأبد لا يعلمون أنك موعود بـ“قيامة الجسد” لتعيش حياً في قلوب محبيك وفي عقول تلاميذك وأجيال الغد الآتي أما قلبي فيحمل لك ما ينوء بحمله جسدي الواهن الضعيف.

أعدك أ أني سأعود إلى أعمالك فأعزي بها نفسي لأسلو، وإن كنت أعلم أنه لا شيء يسلو به القلب عنك أيها الحلو