هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضُبيعة ، ينتهي الى بكر بن وائل ، الى عدنان . لقب بالمرقش لأنه قال : “كما رقِش في ظهر الأديم قلم ” . هو عم المرقش الاصغر.

المرقش الأكبر من الشعراء الجاهليين الذين جعلوا من شعرهم نتاج عفويتهم المبدعة فأغنى التفاعل الخلاق بين شخصيته ووقائعها شبه الاسطورية وبين الموضوع الفني الذي كاد يقتصر عليه شعره . فهو لم يبرح حدود معاناته الشخصية الى ذلك الشعر الاجتماعي الذي تميز بالمديح والفخر والرثاء . بدت نفسه مترفعة عن سياسة الصراعات اليومية من تبجح وغرور وطعن وشتم ، مشتغلاً بمسألة الوجود في الحب والحرمان وسواهما .

قصة المرقش الاكبر المتيم بابنة عمه ومعاندة عمه لأمر زواجهما تحولت الى واحدة من أساطير الميثولوجيا العربية الجاهلية . فلقد قام الدهر كعقبة كبيرة بينه وبين تحقيق امنيته بالزواج من ابنة العم بفعل تصلب عمه في طلبه شبه المستحيل اذ قال لابن أخيه : ” لن ازوجكما حتى ترأس وتأتي الملوك ” . فكان على المرقش ان يقبل التحدي فيمضي في رحلة الكشف والبحث عمن يحقق له واقعية التفوق . وتقول اسطورة المرقش إنه استطاع ، بعد ارتحال وطلب للمجد ، ان يحقق التفوق في بلاط الملوك ، فامتدح احد ملوك اليمن وفاز منه بالتقدير المرجو . وعندما عاد الى قومه وعمه منتصراً وجد ان العم قد زوج ابنته من سواه . أما الغريب في الامر أن العم بدل ان يخبره بهذا الزواج ادعى ان الفتاة قد ماتت وجعل لها قبراً مزيفاً في أرضه. لكن الشاعر لا يلبث ان يكشف الحقيقة ويعرف بأمر الصفقة التي عقدها عمه اذ زوج ابنته من رجل آخر غني خلال سني الجدب والقحط التي مرت بقومه .

إنطلق المرقش في رحلة بحث عن الحبيبة المباعة يرافقه خادمين ما لبثا ان غدرا به عندما اقعده المرض في احد الكهوف فتخليا عنه . لكن الشاعر تحامل على مرضه وخرج من كهفه ووصل الى بيت حبيبته التي استقبلته بالرغم من اعتراض الزوج . لكن البطل لا يصل الى الحبيبة الا ليموت بين احضانها .

كان الارقش الاكبر طليعة فرسان العشق العذري . ولقصته مع الحبيبة الممنوعة والضائعة أبعادها التي سوف تتكرر مع غيره من شعراء التتيم من الجاهليين . من هذه الابعاد الشعور بجحود العالم وبخيانة الآخرين وبالعقبات اللامتناهية التي تقوم في وجه تحقيق حب حقيقي . فكأن هذا الحب لا يحيا الا في نطاق النفس ولا يلقى تحقيقه الا في خيال المعاني . من هنا يصبح هذا الحب شمولياً يرقى فوق العلاقات الثنائية بين حبيبين . وهنا يلقى هذا الحب سعادة خاصة .

وحين يقف المرقش الاكبر في أكثر مطالع قصائده على الآثار الدوارس ، فانه يبكي حقاً طلول الحبيبة في نفسه وفي الارض من حوله واينما سار واتجه . ولذلك كانت رنة التفجع بالاطلال ، وان كانت تقليدية ، ذات ارتباط عضوي بتجربة الجحود والضياع لدى شاعرنا .

لم يبرّز المرقش الأكبر بالقصائد المطولة ولا باسلوب البناء الفخم . الا ان انطلاقته الوجدانية التي حملت الحان تجربته العاطفية ونشرتها في الصحارى وأنعشت قلوب أجيال ، تضج للحب وألم التضحية والحنين الى ارتواء ضائع لن يتم .

 قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في “الأغاني“: ((المرقش لقب غلب عليه بقوله:

الدار وحش والرسوم كما

 

رقش في ظهر الأديم قلم

وهو أحد من قال شعراً فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضاً أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعاً موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزماً إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.

عمر بن مالك وأسره لمهلهل: وكان أخوه عمرو بن مالك أيضاً من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلاً، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقاً لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكراً وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتاً يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملاً كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيباً وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشاً. ونحر عمرو بن مالك يومئذ ناباً فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:

ظبية ما ابنة المحلل شنبا

 

ء لعوب لذيذة في العناق

فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقاً وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا؟ يكون لي جمل أبداً إلا سميته ربيباً يعني أن ربيباً كان مباركاً لقتله مهلهلاً. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:

بل هل شجتك الظعن باكرةً

 

كأنها النخيل من ملـهـم

قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زماناً ومدحه فأجازه. وأصاب عوفاً زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.

ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضناً شديداً فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقماً وهلكنا معه ضراً وجوعاً. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:

يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا

 

إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا

فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا

 

أو يسبق الإسراع سيباً مـقـبـلا

ياراكباً إما عرضت فـبـلـغـن

 

آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا

للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا

 

إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا

من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـاً

 

أضحى على الأصحاب عبئاً مثقلا

وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه

 

إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا

قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت؟ قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً فتأتيها بلبنها.

فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعاً فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:

سرى ليلاً خيال من سليمـى

 

فأرقني وأصحابي هجـود

فبت أديرأمري كـل حـال

 

وأذكر أهلها وهـم بـعـيد

على أن قد سما طرفي لنار

 

يشب لها بذي الأرطى وقود

حواليها مها بيض التراقـي

 

وآرام وغـزلان رقــود

نواعم لاتعالج بـؤس عـيش

 

أوانس لاتـروح ولاتـرود

يرحن معاً بطاء المشيء بدًا

 

عليهن المجاسد والـبـرود

سكن ببلدة وسكنت أخـرى

 

وقطعت المواثق والعهـود

فما بالي أفي ويخان عهـدي

 

ومابالي أصـاد ولا أصـيد

ورب أسـيلة الـخـــدين

 

بكير منعمة لها فرع وجيد

وذو أشر شتيت النبت عذب

 

نقي اللـون بـراق بـرود

لهوت بها زماناً في شبابـي

 

وزارتها النجائب والقصـيد

أناس كلما أخلقـت وصـلاً

 

عناني منهم وصـل جـديد

ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.

وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسراً، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقاً، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظماً، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفةً لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:

أمن آل أسماء الرسوم الدوارس

 

تخطط فيها الطير قفر بسابس

وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضاً:

أغالبك القلب اللجوج صـبـابةً

 

وشوقاً إلى أسماء أم أنست غالبه

يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه

 

كذاك الهوى إمراره وعواقبـه

أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى

 

بغمز من الواشين وازور جانبه

وأسماء هم النفس إن كنت عالماً

 

وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه

إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي

 

يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه

كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعراً: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالاً وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:

أتتني لسسان بني عـامـر

 

فجلى أحاديثها عن بصـر

بأن بني الوخم ساروا معـا

 

بجيش كضوء نجوم السحر

بكل خبوب السسرى نهـدة

 

وكل كميت طـوال أغـر

فما شعرالحي حـتـى رأوا

 

بريق القوانس فوق الغرر

فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم

 

وأصدرنهم قبل حين الصدر

فيا رب شلو تخطر فـنـه

 

كريم لدى مزحف أو مكر

وكائن بجمران من مزعف

 

ومن رجل وجهه قد عفـر

المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

 انقر لمطالعة ديوان المرقشين الأكبر والأصغر