أنفاس صليحة رواية عمر فضل الله. صدرت من مدارات للطباعة والنشر 2017 في 245 صفحة من القطع المتوسط. رواية شاملة كتبت بذوق رفيع. تتماهى مع الراهن بمعرفة. تمس أسباب الوهن دون لجاجة. “عند الفجر سقطت سوبا العاصمة وحين أشرقت شمس النهار غربت شمس علوة كلها وانتقض ملكها ولم تبق منها إلا الأطلال والأنقاض لتشهد على مجد غابر مضي ولن يعود مثلما كان بالأمس”. هنا كل شيء أصيل في رواية أنفاس صليحة: دفق العاطفة، الواقع المدهش، التعبيرية الباذخة، الرومانسية الشغوفة والرمزية المحببة. الفكرة متماسكة ومسبوكة جيداً. الهدف واضح والمنهج بين عمق يوصلك حد الثراء الفكري والرؤية واضحة. تحس بقوة المنطق ومتانة الحجة.

“النيل اختبأ في مجراه وغطى وجهه بأجساد الموتى وكأنه يخشى أن تنال منه سيوف المقاتلين ورماحهم بعد أن جرى ماؤه دماً أحمر، والتماسيح شبعت من الجثث الطافية على وجه الماء”. بلاء محيق يحيط بأرض النيلين ومؤامرات المحيطين تدعو للرثاء. الركاكة أصابت حركة المجتمع. ذلك شيء لايزيله سوى الصالحين والمصلحين. حين تصاب البلاد بالتكلس وعدم الإحساس تنمو الأخطاء وتفرهد. تروح البلادة وتجيء ويسود الغباء والتهور.

“وأشرعة القوارب والسفن اشتعلت ناراً ودخانها المتصاعد تراقص فبلغ عنان السماء وسحبه الكثيفة غطت الأرجاء فقد أحرقوا أسطول الملك وسفنه والمراكب الشراعية الراسية غربي قصره قبالة الطرف الشمالي التي طالما شهدت مجونه ولياليه العابثة”.
عندما يسود النزق والضحالة يتحول كل شئ إلى مسخ. الغموض والعناد وتضخم الذات يؤدي إلى خداعٍ كبير وإلى النهاية والتلاشي .خواء الروح يؤدي الى الدمار. وأنفاس صليحة رواية مدهشة حد التخمة عرضت كل الصور الجميلة والمشوهة الممسوخة والمسخوطة. وتلك الملأى بالنبل والفروسية. شروخات كثيرة أصابت المجتمع وعمت الأرواح.
“ها أنت تشهدين الخاتمة بأم عينيك بعد ما كان أهل سوبا يقصون عليك من قبل أساطير البدايات ويقرأون في ساحة المدينة كل ليلة أخبار الحروب القديمة وصمود أسوار سوبا في وجه الغزاة في جميع الأزمنة الماضية”.
السلبية والسطحية هي ما أدى لخراب سوبا. هذا الزخرف ماهو إلا زيف خالٍ من المضمون. رواية أنفاس صليحة سردٌ كما قصيدة موشاة بلحن الحنين مدعمة بالخيال الوثاب، ومنفتحة في كل الاتجاهات بحس قوي مليء بالكبرياء والألق. كتابة كاملة الدسم. نظمت فوضي حياتنا ورفدتها بالخصوبة والجمال. أنفاس صليحة رواية رائعة فائقة الجمال شكلاً ومحتوى.
وظف عمر فضل الله التاريخي والنفسي والفني مواكباً العصر في أحداث عظيمة ومؤثرة.